Best View

Resolution ( 1024 x 768 ) , Internet Explorer

الأربعاء، 10 يونيو 2009

المنهج المتبع للحكم على القضايا

فى هذه الرحلة التى سأخوض فيها حرب فكرية عنيفة بين مختلف المذاهب , لابد أن يكون لى منهج أسير عليه أحدد به ما يجب إعتقاده وفعله وما يجب تركه , ولابد أن يكون هذا المنهج منهج يقينى لا مجال فيه للشك , ووجدت أن هذا المنهج لابد أن يكون المنهج العقلى.

وحتى لا أدخل نفسى فى أول الرحلة فى متاهة وأزمة المصطلحات فيجب أن أعرف ما أقصده بقولى (المنهج العقلى).

ما أقصده بالمنهج العقلى هو مجموعة من القواعد والأحكام التى بها أقيس مدى صحة الإدعاء , وهذه الأحكام إما بدهية وإما نظرية , وهى تكسبنى اليقين الذى يماثل يقينى بإستحالة كون شئ موجود ومعدوم فى نفس اللحظة.
فالحكم هو إثبات شئ لشئ أو نفى شئ عن شئ.
والحكم البدهى ما لا يستدل عليه ويعلم صدقه بمجرد تصوره.
والحكم النظرى ما يستدل عليه وهو مبنى إما على حكم بديهى وإما على حكم نظرى تم التيقن منه.
فيكون العقل إذاً وفق تعريفى هو : ما يجعلنى متيقن من صحة أحكام كالحكم بإستحالة إجتماع النقيضين. وهو كما يدرك القارئ ليس تعرض لحقيقة ما يسمى بالعقل إنما هو لفظ أطلقه على شئ لا أعلم حقيقته فقد يكون ما يجعلنى متيقن من ذلك آلة مركبة بداخلى وقد يكون شيئاً آخر لا أعلم ما هو فأنا قد عرفت ما أسميه - أنا - بالعقل بأثره.
فأثبت بهذا المنهج صحة أو بطلان القضية, فأى ادعاء يقبل التصديق أو التكذيب لى معه ثلاث إحتمالات :

1 إما أنى أجد دليل يقينى صحيح يحكم بصحة القضية , وبالتالى سأحكم بصحتها وأعتقد ذلك وأتعامل من خلال هذا الإعتقاد وأستخدم هذه النتيجة كمقدمة فى بحث آخر.

2 وإما أنى أجد دليل يقينى صحيح يحكم ببطلان القضية , وبالتالى سأحكم ببطلانها وأعتقد ذلك وأتعامل من خلال هذا الإعتقاد وأستخدم هذه النتيجة كمقدمة فى بحث آخر.

3 وإما أنى لا أجد دليل يقطع بأحد الطرفين , أو أن الدليل الذى وجدته ليس بقطعى وإن كان داعماً أحد الطرفين , فغير القطعى لا يمكن الإعتماد عليه فى بناء إعتقاد يمكن أن يتعلق به عذاب وحزن أبديان.


وهذه أول قاعدة فى المنهج الذى أسميه بالمنهج العقلى.

" عدم الدليل على وجود الشئ , ليس وجود الدليل على عدم الشئ , وكلا الأمرين – الوجود والعدم – يحتاج إلى دليل ".

فمثلاً قضية وجود ما يسمى بـ " الله " لابد للمؤمن من الإتيان بالدليل اليقينى على وجوده , وعلى الملحد ايضاً ان يقدم الدليل على عدم وجوده , ولا يكفى ادعاءه بعدم وجود دليل لكى نحكم بصحة الإلحاد , فعند غياب الدليل يكون الموقف الصحيح هو قول " لا أدرى ".

ونظراً لإعتراض البعض على هذه القاعدة ضارباً المثال بـ " وحش الإسباكيتى الطائر " أو " الإبريق الذى يدور حول الشمس " , فيقول ما دليل عدم وجود وحش الإسباكيتى الطائر الذى سيأتى ويعاقب من لا يؤمن به ؟

فعندها يكون الرد بسيط , وهو أنه لو كان موجوداً فإما يوجد دليل على وجوده أو لا يوجد أى دليل على وجوده , فلو كان الدليل موجوداً ولم ندركه فحسب , فالخلل يكون فى منهجنا فى البحث عن الحقيقة وعندها نتحمل نتيجة خطأنا.

أما لو لم يكن هناك أى دليل على وجوده ولا يوجد أى دليل على عدم وجوده , وهو موجود ويعلم ذلك , حينها سيكون عقابه لنا ليس مشروطاً بفعلنا , أى أن فعلنا سواء الإيمان به أو الإلحاد به لن يكون هو سبب العقاب , فعندها ربما يعذب من آمن به ويكون هذا هو الإختبار , فيكون من آمن به من غير دليل هو المستحق للعقاب , فيكون الموقف الصحيح اذاً من قضية وحش الإسباكيتى الطائر هو القول " لا أعلم , ولكن لا يوجد دليل على وجوده " وليس " ليس موجود ".

فالموقف الصحيح تجاه أى قضية هو قول " لا أدرى حتى إشعار آخر " وحتى يأتى دليل يثبت أحد الطرفين.


والمنهج الذى أسميه بالمنهج العقلى يرتكز على ما يسمى بالبدهيات , أى الأحكام التى يعلم صدقها بمجرد تصورها , ولا يستدل عليها , وتكون قطعية ويقينية ,
ومن الأمثلة على مثل هذه الأحكام – إذ أنى لم اقم بإحصائها – :

1 انا موجود , ويستحيل أن أكون غير موجود , وليس هناك دليل بالنسبة لى على ذلك , وأرفض كلام كل من يشكك بذلك.

2 الأحكام التى أسميها بالعقلية صحيحة , ولا يمكن أبداً أن تكون خاطئة , ولا أقبل تشكيكاً فيها ابداً ولا دليل بالنسبة لى على صحتها.

3 كون الشئ غير نفسه مستحيل , وهو ما يعبر عنه بمصطلح " إستحالة التناقض " , فكون شئ موجود ولكنه غير موجود مستحيل , وكون شئ حي ولكنه ليس بحي مستحيل.

4 لا يمكن طروء شئ بدون سبب , وهو ما يمكن التعبير عنه بـ " إستحالة الترجح من غير مرجح " , فالطارئ من حيث هو طارئ لابد له من سبب.

وبالنسبة للفيزياء الكوانتية وبالنسبة للإدعاء الذى أراه منتشراً بأنها حطمت مبدأ السببية , فإن كان حقاً أن الفيزياء الكوانتية تقول ذلك فهو خطأ لا أقبله ولا يعنينى من يقول به حتى لو أجمع البشر على صحة ذلك , لأن هذا يخالف ما هو بديهى بالنسبة لى ولا يقبل الشك.

وقبل الشروع فى نقد الأفكار والبحث عن الصحيح , أحب أن أتناول مسألة ( هل يمكن الثقة فى العقل ؟ ).

فالإعتراض على إستخدام العقل حق وجيه , حيث أنه يصور العقل على أنه مجموعة من الأحكام المبرمجة داخلى , وقد تكون هذه الأحكام خطأ , فمن الممكن أن أبرمج آلة حاسبة بأن تعطى حاصل جمع 1 + 2 = 7 , فيمكن أن يكون عقلى كذلك , ونظراً لوجاهة الإعتراض فيجب الإلتفات للمسألة والبحث فيها.

الآن , هل يمكن أن أكون غير موجود ؟؟ إن حكمى بأنى موجود هو حكم عقلى , ويستحيل أن أكون غير موجود , والإدعاء بأنه من الممكن أن يكون هذا الحكم خاطئ ومبرمج داخل عقلى , فهو إعتراف من المعترض بصحة هذا الحكم ( وهو وجودى ) , بالتالى فإعتراضه منقوض اصلاً , والطريف أن هذا التحليل هو تحليل عقلى.

ولكن لأكون جدى فى الطرح , فنعم ربما يكون عقلى مبرمج بأحكام خاطئة , ولكن هل يمكننى إكتشاف ذلك ؟؟

الإجابة هى لا , ببساطة لأنى أستخدم ما يسمى بالعقل وما يسمى بالأحكام العقلية للحكم على القضايا , وبالتالى إن شككت بأحكام العقل فلن يمكننى إصدار أى حكم على الإطلاق.

ولنفرض أن الأحكام قد برمجت خطأ بالفعل , إذاً الإحتمالات هى إما أن أستخدم عقلى , وإما لا أستخدمه على الإطلاق , وما دام الأمر الثانى لن يحدث ابداً , فانا سأتعامل وفق مبدأ يقينية العقل فانا لا أتصور أنى معدوم ولا أصدق هذا ابداً , والمطالبة بالتشكيك فى هكذا حكم لا أقبله ابداً , وعليه فأى أمر سأخضعه للحكم العقلى.

أقول , إن فرض خطأ الأحكام العقلية يعنى بأن هناك من قصد بأن يجعلها خاطئة , وبالتالى لا يسعنى إلا التسليم له لأنه قادر علىّ , وبما أنه يستحيل أن أعلم ذلك , فسأستخدم عقلى لإستحالة أن أصدق كونى معدوم ولإستحالة أن أصدق كون شئ يطرؤ بلا سبب , ومن يريد أن يقنعنى بخلاف ذلك فليقم ويغير أحكام عقلى إن استطاع.

قضى الأمر , وسأستخدم ما يسمى بالعقل وما يسمى بالأحكام العقلية فى التحقق من أى قضية وسيكون الحكم يقينى.

وأعتذر عن الإطالة.

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم
    إن كان قصدك يا أخي أن تصل إلى الحق في أمور الدين لتعمل ما يبلغك السعادة ويجنبك الشقاوة، فإن طريق العقل طويل جدا، ناهيك عن أنه لا يقين فيه. لقد اختبر هذا من هو أكبر مني ومنك في المسلك العقلي، ولم يوصلهم إلى الغاية المطلوبة، فضاع العمر وتعب الذهن ولم يحصل المطلوب على وجهه المرغوب. ولك في الإمام الأشعري ثم الجويني ثم الغزالي ثم الفخر عبرة واضحة، فهؤلاء من أكابر الفكر المنطقي من الأشاعرة في تاريخنا الإسلامي. ودعني أمثل لك من عصرنا الفيلسوف أنتوني فلو الذي عاش 80 سنة في الإلحاد والدفاع عنه بمؤلفات ومناظرات، ثم في بحثه الأخير ينعطف تجاه القول بأن هناك إله، وهذا لا ينفع صاحبه شيئا عند الله تعالى، لأن الحجة قد قامت بالقرآن الكريم وسنة خير المرسلين وبحفظ الله تعالى لهذا الدين وانتشاره في أقطار الأرض. ذهب إلى قبره وهو يعلم أن هناك إله ما، لكن ليس له أي عمل يتقابل به مع هذا الإله إن كان هناك حساب وجزاء على العمل. فالمسألة ليست سهلة، كما تعلم.
    وسأبين لك وجهة نظري بالتحليل المنطقي التالي:
    الوجه الأول: أنت لا تقبل الشك في بعض الأمور لأنك لا تتصور نفيها، مثل وجودك الخاص. فاعلم أن هناك من الناس من يعتبر وجود الله تعالى بصفاته العلى أمرا لا يمكن لأحد أن يتصور خلافه، أي أنه من البديهيات التي لا تحتاج برهانا أصلا. ولا ينبغي لك أن تقول هؤلاء لا يعنيني أمرهم، بل يعنيك وجود هذه الحالة من الناس، لأننا نحقق في المسألة موضوعيا وليس ذاتيا، فما دمت أنت تعتبر ما هو بديهي لا يحتاج لدليل، فوجود أمر ما بمثابة البديهي لدى بعض الناس، هو محل نظر بالنسبة لغيرهم، هو أمر يطرح إشكالا منطقيا بالنسبة لبحثك أنت. أما إن كنت أنانيا لا يهمك إلا نفسك، فلك أن تتغاضى عمى يعتبره غيرك بديهيا أو نظريا، لكن يجب أن تعلم حينئذ أن بحثك ذاتي وليس موضوعيا، وهذا يقتضي كونه غير منطقي.
    الوجه الثاني: ما نحكم عليه عقلا بأنه قطعي، هل حكمنا عليه بذلك يحتمل الخطأ أم لا؟ خصوصا ما يكون من الأمور النظرية.
    بمعنى: هل يمكن أن يكون هناك شخص ما قد احتكم إلى العقل والمنطق، وتوصل في النهاية إلى نتيجة قال عنها إنها يقينية جدا، لكن غيره تمكن من العثور على خطأ في الاستدلال وبالتالي حكم على النتيجة بأنها خطأ، وبالتالي حكم على تخطيئه له بأنه هو الصحيح واليقيني ويزعم أنه لو قرأ الأول هذا الاعتراض لتراجع عن كلامه الأول، فهل هذا ممكن أن يحدث؟
    إن كان الجواب نعم، فهذا المطلوب، أي بيان أن العقل لا يقين فيه حقا، ولو أن الشخص يشعر فيه بدرجة من اليقين لا يستوعب معها احتمالية الشك.
    أما إن كان الجواب لا، فيجب البرهان على أمور:
    أ- أن المسألة لا تنقسم بذاتها على هذين الاحتمالين. وهذا أعوص ما يكون.
    ب- أن الأحكام التي يتوصل لها البحث العقلي ويشعر الشخص ذاتيا بصدقها، هي كذلك في حد ذاتها موضوعيا. وهذا بحث فلسفي لكنه مستحيل، لأن البرهان على ذلك لن يكون بغير العقل نفسه، وهذا دور.
    وبهذا سوف يدور الأمر بين حالين: إما البحث العسير وإما استحالة البحث أصلا. وفي حالة البحث العسير هناك احتمال الخروج بنتيجة القول بالمطلوب، أي لا يقين في العقل.

    الآن أنت مخير بين ذلك، وبين طريق آخر سأعرضه عليك:
    ما دام المسألة لا تنفك عن الشعور، فجرب شعورك وأنت على الإسلام التام، آمن بالله تعالى وبالغيب كله، وبرسوله وبالقرآن الكريم، واعمل من الصالحات ما تطيق، وتجنب السوء قدر ما تستطيع، وأنت حينئذ على أحد احتمالين:
    فإما أن الدين حق، فأنت قد فزت. وإما أن الدين باطل، فعلى الأقل سعدت في دنياك وعشتَ على أجمل الآمال، وأحسن الأعمال. ولن يكون وراءك عقاب تخشاه. لأنه إما الدين حق وإما باطل، فإن كان حقا فلا يوجد من هو ند لله تعالى ليكون ربا للعالم، فالمصير إليه ووعده منجزه لا محالة، وإن كان باطلا فلا رب خالق ولا قيام ساعة ولا حساب. فلو أنك تأخذ المسألة بهذا المسلك العقلي الديني، تكن أقرب للنجاة منك إلى المسلك العقلي اللاديني.
    ولا احد يمنعك من التفلسف إن أحببتَ، بعد التزامك قدر طاقتك بما يجب عليك من الإيمان والعمل، كما أفعل أنا مثلا، فأستمتع بالدين وبالعقل معا، وأشعر بالراحة تجاه ذلك، والحمد لله الكريم.

    ردحذف